الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: .قال البقاعي: .قال ابن عاشور: وقوله: {فَيمُتْ} معطوف على الشرط فهو كشرط ثان. اهـ. .قال ابن العربي: وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْبَطُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ. وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِي الْمُسْلِمِ إذَا حَجَّ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ حَبَطَ بِالرِّدَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عَمَلَهُ بَاقٍ. وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وَقَالُوا هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الرِّدَّةُ شَرْعًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيظِ عَلَى الْأَمَةِ، وَبَيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَرَفِ مَنْزِلَتِهِ لَوْ أَشْرَكَ لَحَبِطَ عَمَلُهُ، فَكَيْف أَنْتُمْ؟ لَكِنَّهُ لَا يُشْرِكُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}؛ وَذَلِكَ لِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِنَّ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ إتْيَانُ فَاحِشَةٍ مِنْهُنَّ، صِيَانَةً لِصَاحِبِهِنَّ الْمُكَرَّمِ الْمُعَظَّمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، حِينَ قَرَأَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}؛ وَاَللَّهِ مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وَلَكِنَّهُمَا كَفَرَتَا. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّمَا ذَكَرَ الْمُوَافَاةَ شَرْطًا هَاهُنَا، لِأَنَّهُ عَلَّقَ عَلَيْهَا الْخُلُودَ فِي النَّارِ جَزَاءً، فَمَنْ وَافَى كَافِرًا خَلَّدَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنْ أَشْرَكَ حَبِطَ عَمَلُهُ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى، فَهُمَا آيَتَانِ مُفِيدَتَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَحُكْمَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَمَا خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لِأَمَتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، وَمَا وَرَدَ فِي أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِيهِنَّ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ لَكَانَ هَتْكًا لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَحُرْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِكُلِّ هَتْكٍ حُرْمَةُ عِقَابٍ، وَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ مَنْ عَصَى فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ يُضَاعَفُ عَلَيْهِ بِعَدَدِ مَا هَتَكَ مِنْ الْحُرُمَاتِ، وَاَللَّهُ الْوَاقِي لَا رَبَّ غَيْرُهُ. اهـ. .قال الشنقيطي: والجواب عن هذا أن هذه من مسائل التعارض المطلق والمقيد، فيحمل المطلق على المقيد، فتقيد آيات المطلقة بالموت على الكفر، وهذا مقتضى الأصول، وعليه الإمام الشافعي ومن وافقه، وخالف مالك في هذه المسألة، وقدم آيات الإطلاق، وقول الشافعي في هذه المسألة أجرى على الأصول، والعلم عند الله تعالى. .قال البقاعي: .قال الألوسي: .قال الفخر: أما حبوط الأعمال في الدنيا، فهو أنه يقتل عند الظفر به ويقاتل إلى أن يظفر به ولا يستحق من المؤمنين موالاة ولا نصرًا ولا ثناء حسنًا، وتبين زوجته منه ولا يستحق الميراث من المسلمين، ويجوز أن يكون المعنى في قوله: {حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا} أن ما يريدونه بعد الردة من الإضرار بالمسلمين ومكايدتهم بالانتقال عن دينهم يبطل كله، فلا يحصلون منه على شيء لإعزاز الله الإسلام بأنصاره فتكون الأعمال على هذا التأويل ما يعملونه بعد الردة، وأما حبوط أعمالهم في الآخرة فعند القائلين بالإحباط معناه أن هذه الردة تبطل استحقاقهم للثواب الذي استحقوه بأعمالهم السالفة، وعند المنكرين لذلك معناه: أنهم لا يستفيدون من تلك الردة ثوابًا ونفعًا في الآخرة بل يستفيدون منها أعظم المضار، ثم بين كيفية تلك المضرة فقال تعالى: {وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون}. اهـ. .قال ابن عاشور: وحَبَطُ الأعمال: زوال آثارها المجعولة مرتبة عليها شرعًا، فيشمل آثارها في الدنيا والثواب في الآخرة وهو سر قوله: {في الدنيا والآخرة}. فالآثار التي في الدنيا هي ما يترتب على الإسلام من خصائص المسلمين وأولها آثار كلمة الشهادة من حُرمة الأنفس والأموال والأعراض والصلاة عليه بعد الموت والدفن في مقابر المسلمين. وآثار العبادات وفضائل المسلمين بالهجرة والأخُوَّة التي بين المهاجرين والأنصار وولاء الإسلام وآثار الحقوق مثل حق المسلمين في بيت المال والعطاء وحقوق التوارث والتزويج فالولايات والعدالة وما ضمنه الله للمسلمين مثل قوله: {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: 97]. وأما الآثار في الآخرة فهي النجاة من النار بسبب الإسلام وما يترتب على الأعمال الصالحات من الثواب والنعيم. والمراد بالأعمال: الأعمال التي يتقربون بها إلى الله تعالى ويرجون ثوابها بقرينة أصل المادة ومقام التحذير؛ لأنه لو بطلت الأعمال المذمومة لصار الكلام تحريضًا، وما ذكرت الأعمال في القرآن مع حبطت إلاّ غير مقيدة بالصالحات اكتفاء بالقرينة. اهـ. .قال البقاعي: ولما كانوا كذلك كانوا كأنهم المختصون بها دون غيرهم لبلوغ ما لهم فيها من السفول إلى حد لا يوازيه غيره فتكون لذلك اللحظ لهم بالأيام من غيرهم فقال تقريرًا للجملة التي قبلها: {هم فيها خالدون} أي مقيمون إقامة لا آخر لها، وهذا الشرط ملوح إلى ما وقع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من الردة لأن الله سبحانه وتعالى إذا ساق شيئًا مساق الشرط اقتضى أنه سيقع شيء منه فيكون المعنى: ومن يرتد فيتب عن ردته يتب الله عليه كما وقع لأكثرهم، وكان التعبير بما قد يفيد الاختصاص إشارة إلى أن عذاب غيرهم عدم بالنسبة إلى عذابهم لأن كفرهم أفحش أنواع الكفر. اهـ. .قال ابن عاشور: وفي الإتيان باسم الإشارة في الموضعين التنبيه على أنهم أحرياء بما ذكر بعد اسم الإشارة من أجل ما ذكر قبل اسم الإشارة. هذا وقد رتب حبط الأعمال على مجموع أمرين الارتداد والموت على الكفر، ولم يقيد الارتداد بالموت عليه في قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقط حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} [المائدة: 5] وقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65] وقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} [الأنعام: 88]. اهـ.
|